سرطان عنق الرحم “Cervical Cancer”
يُعد سرطان عنق الرحم “Cervical Cancer” أحد أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء، وهو ينشأ في الخلايا المبطنة لعنق الرحم، الجزء السفلي من الرحم المتصل بالمهبل. في معظم الحالات، يرتبط هذا المرض بعدوى فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، وهو فيروس ينتقل عبر الاتصال الجنسي. ومع ذلك، يمكن الوقاية من سرطان عنق الرحم بشكل كبير من خلال الفحوصات الدورية، مثل اختبار مسحة عنق الرحم (Pap smear) واختبار فيروس الورم الحليمي البشري، بالإضافة إلى التطعيم ضد الفيروس. في هذه المقالة، سنناقش أسباب المرض، أعراضه، طرق تشخيصه وعلاجه، وأهمية التوعية والوقاية في الحد من انتشاره.
ما هو عنق الرحم وما هي وظيفته؟
عنق الرحم هو الجزء السفلي الضيق من الرحم، والذي يربط بين تجويف الرحم والمهبل. يعمل كبوابة بين الرحم والمهبل، وله دور أساسي في عدة وظائف، مثل:
-
- إفراز المخاط: يفرز مخاطًا يتحكم في مرور الحيوانات المنوية إلى الرحم، حيث يكون سميكًا لمنع دخولها في الأوقات غير المناسبة، وسائلاً أثناء فترة الإباضة لتسهيل الإخصاب.
- الحماية من العدوى: يعمل كحاجز يمنع دخول الميكروبات إلى الرحم.
- الولادة: يتمدد أثناء الولادة الطبيعية ليسمح بمرور الجنين.
يمكن فحص عنق الرحم سريريًا من خلال اختبار مسحة عنق الرحم (Pap smear)؛ للكشف عن سرطان عنق الرحم أو أي تغيرات غير طبيعية في الخلايا.
ما هي أنواع سرطان عنق الرحم؟
يوجد عدة أنواع من سرطان عنق الرحم، وأكثرها شيوعاً:
-
- سرطان الخلايا الحرشفية (Squamous cell skin carcinoma): يشكل سرطان الخلايا الحرشفية حوالي 80% إلى 90% من الحالات، وينشأ في الخلايا التي تبطن الجزء الخارجي من عنق الرحم.
- السرطان الغدي (Adenocarcinoma): يشكل حوالي 10% إلى 20% من الحالات، وينشأ في الخلايا التي تنتج المخاط في عنق الرحم.
- السرطان المختلط (Mixed tumor): وهو سرطان يمتلك ميزات مختلطة من النوعين الآخرين.
ما هي مراحل سرطان عنق الرحم؟
سرطان عنق الرحم يُقسَّم إلى أربع مراحل رئيسية وفقًا لمدى انتشاره في الجسم. إليك تفصيل المراحل:
-
- المرحلة 0 (سرطان موضعي – Carcinoma in situ): تُعرف أيضًا باسم CIN أو المرحلة ما قبل السرطانية، حيث توجد خلايا غير طبيعية على سطح عنق الرحم، لكنها لم تخترق الأنسجة العميقة بعد. في هذه المرحلة، يمكن علاجه بسهولة بالاستئصال أو التدمير بالتبريد أو الليزر.
- المرحلة 1 (Stage I): السرطان موجود في عنق الرحم فقط، لكنه لم ينتشر إلى الأنسجة المجاورة.
- المرحلة 2 (Stage II): امتد الورم خارج عنق الرحم لكنه لم يصل إلى جدار الحوض أو الثلث السفلي من المهبل.
- المرحلة 3 (Stage III): انتشار أوسع في الحوض أو العقد اللمفاوية المجاورة، لكنه لم يصل إلى الأعضاء البعيدة.
- المرحلة 4 (Stage IV): الورم انتشر إلى أعضاء بعيدة مثل المثانة، المستقيم، الرئتين، أو الكبد.
أقرأ أيضًا “سرطان الكبد”
ما هي أسباب الإصابة بسرطان عنق الرحم؟
تحدث معظم حالات سرطان عنق الرحم إلى فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) الذي يُنقل عبر الاتصال الجنسي، وهو نفس الفيروس الذي يسبب ظهور الثآليل التناسلية. يوجد حوالي 100 سلالة مختلفة من فيروس الورم الحليمي البشري، ولكن هناك أنواع معينة فقط هي المسؤولة عن الإصابة بسرطان عنق الرحم. والنوعان الأكثر شيوعاً المرتبطان بهذا المرض هما (HPV-16) و (HPV-18).
ما هي عوامل خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم؟
هناك عدة عوامل قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، منها:
-
- عدوى فيروس الورم الحليمي البشري (HPV): العامل الرئيسي المسبب لسرطان عنق الرحم.
- التدخين: يزيد من خطر الإصابة لأنه يُضعف الجهاز المناعي ويجعل الخلايا أكثر عرضة للتحول السرطاني.
- ضعف الجهاز المناعي: مثل الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) أو الذين يتناولون أدوية مثبطة للمناعة.
- العلاقات الجنسية غير الشرعية المتعددة أو بدء النشاط الجنسي في سن مبكرة: يزيد من احتمال الإصابة بعدوى HPV.
- عدم إجراء الفحوصات الدورية (Pap smear & HPV testing): مما يؤدي إلى تأخر اكتشاف التغيرات قبل السرطانية.
- الاستخدام طويل الأمد لحبوب منع الحمل: قد يزيد من الخطر بعد أكثر من 5 سنوات من الاستخدام.
- الولادات المتعددة: بعض الدراسات تشير إلى أن النساء اللواتي أنجبن عدة مرات قد يكن أكثر عرضة للإصابة.
- العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي للإصابة قد يزيد من القابلية للإصابة بالمرض.
- سوء التغذية: نقص الفيتامينات والمعادن، مثل فيتامين A و C وحمض الفوليك، قد يؤثر على مقاومة الجسم للأمراض.
- التعرض لثنائي إيثيل ستيلبوستيرول (DES): وهو هرمون صناعي كان يُستخدم في بعض الأدوية، وقد يزيد من خطر الإصابة لدى النساء اللاتي تعرضن له أثناء الحمل.
- الإصابة بسرطان الكلية، أو المثانة، أو المهبل سابقاً.
أعراض الإصابة بسرطان عنق الرحم
سرطان عنق الرحم في مراحله المبكرة غالبًا لا يسبب أعراضًا واضحة، لذلك الفحوصات الدورية مثل اختبار Pap smear وفحص HPV مهمة لاكتشافه مبكرًا. لكن مع تقدم المرض، قد تظهر الأعراض التالية:
-
- نزيف مهبلي غير طبيعي: مثل النزيف بين الدورات الشهرية، بعد الجماع، بعد انقطاع الطمث، أو بعد الفحص الحوضي.
- إفرازات مهبلية غير طبيعية: قد تكون مائية، دموية، أو ذات رائحة كريهة.
- ألم أثناء الجماع (Dyspareunia).
- ألم في الحوض أو أسفل الظهر.
- مشاكل في التبول: مثل صعوبة التبول، دم في البول، أو الحاجة المتكررة للتبول.
- تورم في الساقين: بسبب الضغط على الأوعية الدموية في المراحل المتقدمة.
من المهم التنويه إلى أن هذه الأعراض قد تكون ناجمة عن حالات أخرى غير سرطانية. لذلك، في حال ظهور أي من هذه الأعراض، من الضروري استشارة الطبيب لإجراء الفحوصات اللازمة والحصول على التشخيص الصحيح.
مضاعفات الإصابة بسرطان عنق الرحم
مضاعفات الإصابة بسرطان عنق الرحم عديدة وتختلف تبعًا لمرحلة السرطان ومدى انتشاره، وكذلك نوع العلاج المستخدم. إليك بعض المضاعفات المحتملة:
مضاعفات متعلقة بالمرض نفسه
-
- انتشار السرطان: قد ينتشر السرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم، مثل الغدد الليمفاوية، الرئتين، الكبد، أو العظام.
- الألم: قد يسبب السرطان ألمًا في الحوض، الظهر، أو الساقين.
- النزيف: قد يحدث نزيف مهبلي غير طبيعي، خاصة بعد الجماع.
- الإفرازات المهبلية: قد تكون هناك إفرازات مهبلية غير طبيعية، قد تكون كريهة الرائحة أو تحتوي على دم.
- مشاكل في الجهاز البولي: قد يسبب السرطان مشاكل في التبول، مثل صعوبة التبول أو تكرار التبول.
- مشاكل في الجهاز الهضمي: قد يسبب السرطان مشاكل في التبرز، مثل الإمساك أو الإسهال.
- فشل كلوي: في الحالات المتقدمة، قد يؤدي انسداد الحالبين إلى فشل كلوي.
مضاعفات متعلقة بالعلاج
-
- الجراحة: قد تشمل مضاعفات الجراحة النزيف، العدوى، أو تلف الأعصاب.
- العلاج الإشعاعي: قد يسبب العلاج الإشعاعي تهيج الجلد، الإسهال، التهاب المثانة، أو مشاكل في المهبل.
- العلاج الكيميائي: قد يسبب العلاج الكيميائي تساقط الشعر، الغثيان، القيء، التعب، أو ضعف الجهاز المناعي.
- انقطاع الطمث المبكر: قد يؤدي العلاج إلى انقطاع الطمث المبكر والعقم.
- مشاكل نفسية: قد تعاني بعض النساء من القلق، الاكتئاب، أو مشاكل في العلاقة الزوجية بعد تشخيص سرطان عنق الرحم.
من المهم ملاحظة أن هذه المضاعفات لا تحدث بالضرورة لجميع النساء المصابات بسرطان عنق الرحم، الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم وعلاجه يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر حدوث هذه المضاعفات.
كيف يمكن تشخيص الإصابة بسرطان عنق الرحم؟
يتم تشخيص سرطان عنق الرحم عبر مجموعة من الفحوصات والإجراءات الطبية، وتشمل:
الفحوصات الأولية
-
- مسحة عنق الرحم (Pap Smear): فحص روتيني لاكتشاف التغيرات غير الطبيعية في خلايا عنق الرحم.
- اختبار فيروس الورم الحليمي البشري (HPV DNA Test): يحدد وجود سلالات فيروس HPV عالية الخطورة التي قد تسبب السرطان.
الفحوصات التأكيدية
إذا كانت نتائج الفحوصات الأولية غير طبيعية، يتم إجراء:
-
- تنظير عنق الرحم (Colposcopy): يستخدم ميكروسكوب مكبِّر لفحص عنق الرحم وتحديد المناطق المشبوهة.
- خزعة (Biopsy): يتم أخذ عينة من الأنسجة لفحصها مجهريًا، وتشمل: الخزعة المخروطية (Cone Biopsy)، إذا كان الورم عميقًا أو غير واضح، أو الخزعة بالثقب أو الكحت (Endocervical Curettage – ECC)؛ لفحص خلايا القناة العنقية.
الفحوصات لتحديد مرحلة السرطان
إذا تم تأكيد التشخيص، يتم إجراء فحوصات إضافية لمعرفة مدى انتشار السرطان:
-
- التصوير بالأشعة المقطعية (CT scan) أو الرنين المغناطيسي (MRI): لتقييم انتشار الورم.
- التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET-CT): للكشف عن الأورام الثانوية.
- الأشعة السينية للصدر: لمعرفة إذا كان السرطان انتقل للرئتين.
- فحص وظائف الكلى (Renal Function Tests): لأن السرطان قد يسبب انسداد الحالبين.
كلما تم اكتشاف سرطان عنق الرحم مبكرًا، زادت فرص العلاج الناجح، لذلك الفحوصات الدورية ضرورية للنساء، خاصة اللواتي لديهن عوامل خطر مثل الإصابة بـ فيروس HPV أو تاريخ عائلي للمرض.
علاج سرطان عنق الرحم
علاج سرطان عنق الرحم يعتمد على مرحلة المرض، مدى انتشاره، صحة المريضة العامة، ورغبتها في الإنجاب مستقبلاً. تشمل خيارات العلاج ما يلي:
الجراحة
-
- استئصال عنق الرحم فقط (Trachelectomy): للحالات المبكرة عند النساء اللواتي يرغبن في الإنجاب.
- استئصال الرحم (Hysterectomy): يشمل إزالة الرحم وأحيانًا العقد الليمفاوية، خاصة إذا كان السرطان في مرحلة مبكرة.
- استئصال موسع (Radical Hysterectomy): للحالات الأكثر تقدمًا، يشمل إزالة جزء من المهبل والأنسجة المحيطة.
العلاج الإشعاعي
-
- غالبًا ما يستخدم العلاج الإشعاعي مع العلاج الكيميائي في الحالات المتقدمة.
- يمكن أن يكون العلاج الإشعاعي خارجيًا (External Beam Radiation) أو داخليًا (Brachytherapy).
العلاج الكيميائي
-
- يُستخدم العلاج الكيميائي غالبًا مع الإشعاع (Chemoradiation) في المراحل المتقدمة.
- في بعض الحالات المتأخرة، يُستخدم العلاج الكيميائي؛ للسيطرة على الأعراض (Palliative chemotherapy).
العلاج المناعي والموجه
-
- بعض الأدوية الحديثة مثل بيفاسيزوماب (Bevacizumab) تستهدف الأوعية الدموية المغذية للورم.
- العلاجات المناعية مثل (Pembrolizumab) تُستخدم في بعض الحالات المتقدمة.
المتابعة والرعاية الداعمة
-
- المتابعة المنتظمة بعد العلاج للكشف عن أي عودة للمرض.
- الرعاية الداعمة لتخفيف الأعراض الجانبية وتحسين جودة الحياة.
يجب التنويه على أن الاكتشاف المبكر من خلال مسحة عنق الرحم (Pap smear) وفحص فيروس HPV يزيد من فرص الشفاء بشكل كبير.
كيف يمكن الوقاية من الإصابة بسرطان عنق الرحم؟
الوقاية من سرطان عنق الرحم تعتمد بشكل أساسي على تقليل عوامل الخطر والالتزام بالإجراءات الوقائية. إليك أهم النصائح:
-
- التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV): لقاح HPV يحمي من السلالات المسببة لسرطان عنق الرحم. يُوصى به للفتيات من عمر 9-14 سنة قبل بدء النشاط الجنسي، لكنه يمكن أن يكون مفيدًا حتى سن 26.
- الفحص المنتظم والمسحات الدورية: إجراء اختبار مسحة عنق الرحم (Pap smear) كل 3-5 سنوات للكشف المبكر عن التغيرات غير الطبيعية.
- إجراء اختبار فيروس الورم الحليمي البشري (HPV DNA test)، خاصة للنساء فوق 30 عامًا.
- ممارسة العلاقة الزوجية بأمان: الابتعاد عن العلاقات الجنسية غير الشرعية والمتعددة.
- الإقلاع عن التدخين: التدخين يزيد من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم عن طريق إضعاف المناعة ضد فيروس HPV.
- تعزيز المناعة والصحة العامة: اتباع نظام غذائي صحي غني بالفواكه والخضروات.
- ممارسة الرياضة بانتظام والحفاظ على وزن صحي.
- تجنب التوتر والإجهاد المزمن.
- الاهتمام بعلاج الالتهابات المهبلية: حيث أن العدوى المزمنة يمكن أن تزيد من خطر التحولات السرطانية، لذا يجب مراجعة الطبيب عند ظهور أي أعراض غير طبيعية.
الالتزام بهذه النصائح يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم.