ألم الدورة الشهرية (عُسر الطمث)
تعاني ملايين النساء حول العالم من آلام الدورة الشهرية، وهي مشكلة قد تُصيب الفتيات منذ بداية البلوغ وتستمر طوال سنوات الخصوبة. وتُعد هذه الآلام مصدر إزعاج جسدي ونفسي، قد يؤدي في بعض الحالات إلى التغيب عن العمل أو الدراسة، والتأثير السلبي على جودة الحياة. وعلى الرغم من أن الألم يُعتبر في كثير من الأحيان طبيعيًا، فإن تجاهل الأعراض أو اعتبارها “جزءًا من طبيعة المرأة” قد يؤدي إلى إهمال مشاكل صحية أعمق. في هذا المقال سنستعرض بالتفصيل أبرز أسباب ألم الدورة الشهرية وأعراضه وطرق علاجه المختلفة.
ما هو ألم الدورة الشهرية؟
ألم الدورة الشهرية “Dysmenorrhea “ شعور بالوجع أو التقلصات في أسفل البطن، وقد يمتد إلى الظهر أو الساقين، ويحدث بالتزامن مع نزول دم الحيض. تنشأ هذه الآلام بسبب انقباض عضلات الرحم لطرد بطانته المنسلخة خلال الدورة.
الألم قد يكون خفيفًا ومحتملًا عند بعض النساء، وقد يكون شديدًا ومُنهكًا عند أخريات، خصوصًا عند وجود أسباب مرضية كامنة. كما يُصنّف ألم الحيض إلى نوعين رئيسيين.
أنواع ألم الدورة الشهرية
يُصنف ألم الدورة الشهرية إلى نوعين رئيسيين هما:
عُسر الطمث الأولي (Primary Dysmenorrhea)
-
- يحدث دون وجود مشكلة عضوية في الحوض.
- يبدأ عادةً بعد البلوغ بسنتين أو ثلاث سنوات، مع انتظام الدورة الشهرية.
- الألم يكون في أسفل البطن، يبدأ قبل الحيض بـ 12 إلى 24 ساعة، ويصل إلى ذروته بعد 24-48 ساعة، ثم يقل تدريجيًا خلال يومين إلى ثلاثة.
- يرافقه أحيانًا أعراض مثل الغثيان، التعب، والصداع.
- سببه الرئيسي ارتفاع مستويات البروستاجلاندين، وهي مادة تؤدي إلى تقلصات الرحم.
عُسر الطمث الثانوي (Secondary Dysmenorrhea)
يحدث بسبب وجود حالة طبية مثل:
-
- بطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis).
- الأورام الليفية (Fibroids).
- الالتهابات المزمنة بالحوض (PID).
- السلائل الرحمية أو الأورام الحميدة.
- اللولب الرحمي (IUD).
- يظهر الألم غالبًا قبل الدورة بعدة أيام ويستمر حتى نهايتها أو بعدها.
- يكون الألم أكثر شدة ولا يستجيب بسهولة للمسكنات.
الأعراض المصاحبة لألم الدورة الشهرية
إلى جانب التقلصات والوجع، قد تشمل الأعراض الأخرى:
-
- ألم أسفل الظهر أو في الحوض.
- الإسهال أو الإمساك.
- انتفاخ البطن.
- الغثيان أو التقيؤ.
- الصداع.
- الدوخة.
- فقدان الشهية.
- تقلبات مزاجية وعصبية زائدة.
- الشعور بالتعب أو الخمول العام.
متى يجب استشارة الطبيب؟
رغم أن ألم الدورة يُعتبر طبيعيًا في معظم الحالات، إلا أن بعض العلامات تستدعي زيارة الطبيب:
-
- إذا كان الألم يعيق الحياة اليومية أو يتسبب في الغياب المتكرر عن العمل أو الدراسة.
- ظهور الألم فجأة بعد سن العشرين أو الثلاثين.
- عدم تحسن الألم باستخدام المسكنات التقليدية.
- استمرار الألم حتى بعد انتهاء الحيض.
- نزيف حاد جدًا أو نزول كتل دموية كبيرة مع الدورة.
- وجود إفرازات مهبلية غير طبيعية أو رائحة كريهة.
أسباب ألم الدورة الشهرية
قد تشمل أسباب ألم الدورة الشهرية المختلفة ما يلي:
زيادة البروستاجلاندين (Prostaglandins)
-
- هي مادة شبيهة بالهرمونات تُفرز من بطانة الرحم.
- تسبب تقلصات عضلية قوية لطرد بطانة الرحم.
- تؤدي كذلك إلى تضييق الأوعية الدموية، ما يقلل من تدفق الدم ويزيد الألم.
أسباب مرضية في عسر الطمث الثانوي
-
- بطانة الرحم المهاجرة: تنمو خلايا من بطانة الرحم خارج الرحم، مثل المبايض أو الأمعاء، وتسبب نزيفًا موضعيًا والتهابًا مزمنًا.
- الأورام الليفية الرحمية: نمو غير طبيعي في عضلة الرحم، قد يسبب ضغطًا وألمًا زائدًا.
- الالتهابات النسائية: مثل التهابات الحوض المزمنة أو الالتهابات الجنسية المنتقلة.
- اللُّولب الرحمي النحاسي: يسبب تهيجًا في بطانة الرحم ويزيد من التقلصات.
كيف يتم تشخيص الإصابة بألم الدورة الشهرية؟
يتم تشخيص الإصابة بألم الدورة الشهرية من خلال:
-
- أخذ التاريخ الطبي التفصيلي: توقيت الألم، شدته، مدته، والأعراض المصاحبة.
- الفحص السريري: فحص الحوض للتأكد من سلامة الأعضاء التناسلية.
- تحليل الدم: للتأكد من عدم وجود التهابات أو فقر دم.
- السونار على الحوض: للكشف عن أي تكيسات أو أورام.
- الرنين المغناطيسي: في حال الاشتباه ببطانة الرحم المهاجرة.
- المنظار الرحمي أو البطني: للتشخيص الدقيق في الحالات المستعصية.
طرق علاج ألم الدورة الشهرية
تشمل طرق علاج ألم الدورة الشهرية المختلفة ما يلي:
العلاج الدوائي
-
- المسكنات (NSAIDs): مثل الإيبوبروفين والنابروكسين، تقلل من إفراز البروستاجلاندين وتخفف الألم والالتهاب.
- مضادات التقلصات: مثل البسكوبان والهيوسين، تقلل من تقلصات العضلات الملساء.
- حبوب منع الحمل المركبة: تساعد على تقليل سمك بطانة الرحم وتنظيم الهرمونات.
- أدوية هرمونية خاصة: لعلاج بطانة الرحم المهاجرة (مثل الأدوية المثبطة للهرمون المحفز للغدد التناسلية).
العلاج غير الدوائي والمنزلي
-
- الحرارة الموضعية: وضع قربة ماء دافئة أو لاصقة حرارية على أسفل البطن. فعّالة جدًا في تهدئة التقلصات.
- الرياضة المنتظمة: التمارين الهوائية، المشي، اليوغا، تقلل التوتر وتحسن الدورة الدموية. أثبتت دراسات أن النساء الرياضيات يعانين من آلام أقل.
- تحسين النظام الغذائي: تقليل الدهون والسكريات، وزيادة الخضروات والفواكه والماء، بالإضافة إلى تقليل الكافيين والمشروبات الغازية.
- مكملات غذائية قد تكون مفيدة (بعد استشارة الطبيب): المغنيسيوم: يقلل من التقلصات، وفيتامين B6: يحسن المزاج ويقلل احتباس السوائل. بالإضافة إلى أوميجا 3: تقلل الالتهابات.
العلاج النفسي والسلوكي
-
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): لتحسين التعامل مع الألم المزمن.
- تقنيات الاسترخاء: مثل التنفس العميق، التأمل.
الجراحة (عند الضرورة فقط)
-
- تُستخدم في الحالات المزمنة من بطانة الرحم المهاجرة أو الأورام الليفية.
- تشمل إزالة البؤر المهاجرة أو استئصال الأورام.
- نادرًا ما يُلجأ لاستئصال الرحم في الحالات الشديدة التي لا تستجيب للعلاج.
هل يمكن الوقاية من ألم الدورة الشهرية؟
لا يمكن الوقاية منه بالكامل، لكنه قد يُخفف أو يُدار بشكل أفضل من خلال:
-
- الحفاظ على نمط حياة صحي.
- تجنب التوتر والإجهاد.
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- مراقبة الدورة وتسجيل الأعراض لتحديد الأنماط.
- زيارة الطبيب بانتظام لمتابعة أي تطورات.
نصائح إضافية لتخفيف الآلام الدورة الشهرية
إليكِ بعض النصائح الإضافية لتخفيف ألم الدورة الشهرية كما يلي:
-
- السوائل الدافئة: مثل النعناع والزنجبيل لتهدئة التقلصات.
- كمادات دافئة: على البطن أو الظهر لتقليل الألم.
- الوضعية المناسبة للنوم: أفضل وضعية نوم أثناء الدورة هي النوم على الجانب مع ثني الركبتين (“وضعية الجنين”)، لأنها تُقلل الضغط على عضلات البطن.
- التدليك أسفل البطن بزيوت طبيعية: مثل زيت اللافندر أو النعناع. ويُفضل التدليك بحركات دائرية خفيفة لمدة 10 دقائق يوميًا.
- تجنب الكافيين والوجبات السريعة: لتقليل الانتفاخ والتقلصات.
- ممارسة الرياضة الخفيفة أو اليوغا: لتحسين الدورة الدموية.
- الاسترخاء وتقليل التوتر: بالتنفس العميق أو التأمل.
- حمام دافئ: لراحة العضلات وتهدئة الجسم.
- تناول وجبات خفيفة ومتكررة: وتجنب الأطعمة الثقيلة أو المالحة.
الخلاصة
ألم الدورة الشهرية مشكلة تؤثر على حياة نسبة كبيرة من النساء، وتستحق الاهتمام والعلاج المناسبين. الفهم الجيد لطبيعة الألم، والتمييز بين ما هو طبيعي وما قد يكون مؤشرًا لحالة طبية، هو المفتاح الأساسي لتحسين جودة حياة المرأة وتفادي المضاعفات. لا تترددي أبدًا في طلب الاستشارة الطبية إذا شعرتِ أن الألم يعيق حياتكِ اليومية أو يزداد سوءًا مع الوقت.