القذف المرتجع Retrograde Ejaculation
القذف المرتجع (Retrograde Ejaculation) مرض خفي يؤثر على الخصوبة والصحة الجنسية. يُعد القذف جزءًا أساسيًا من العملية الجنسية عند الرجال، إذ يمثّل المرحلة النهائية التي يتم فيها طرد السائل المنوي من القضيب نحو الخارج عبر الإحليل. ولكن في بعض الحالات، يحدث اضطراب في هذه العملية ويُعرف باسم القذف المرتجع (Retrograde Ejaculation)، وهو حالة مرضية قد تمر دون أن يلاحظها البعض لفترة طويلة، لكنها تترك آثارًا كبيرة، خصوصًا على الخصوبة.
في هذه المقالة، سنقوم بشرح هذا المرض من جميع الجوانب: أسبابه، آليته، أعراضه، طرق تشخيصه، مضاعفاته، وأساليب العلاج المتاحة.
ما هو القذف المرتجع؟
القذف المرتجع هو حالة يُقذف فيها السائل المنوي أثناء النشوة الجنسية إلى المثانة البولية بدلًا من الخروج من مجرى البول. أي أن العضلات التي تغلق عنق المثانة (العضلة العاصرة الداخلية) تفشل في الانقباض، مما يؤدي إلى دخول المني إلى المثانة بدلًا من خروجه إلى خارج الجسم.
لا يُعد القذف المرتجع مرضًا خطيرًا من الناحية الصحية العامة، لكنه يمثل مشكلة حقيقية في الخصوبة، كما يمكن أن يسبب قلقًا نفسيًا واضطرابات في العلاقة الجنسية.
آلية القذف الطبيعي
لفهم القذف المرتجع، يجب أولًا فهم القذف الطبيعي، والذي يتكوّن من مرحلتين رئيسيتين:
1. المرحلة الأولى: الانبعاث (Emission):
يتم فيها نقل الحيوانات المنوية من الخصيتين إلى الإحليل، وتمتزج مع السائل المنوي القادم من غدة البروستاتا والحويصلات المنوية.
2. المرحلة الثانية: الطرد (Ejaculation):
تحدث خلالها تقلصات عضلية تدفع السائل المنوي خارج الجسم عبر مجرى البول. في هذه المرحلة، تُغلق عضلة عنق المثانة لتمنع ارتداد المني إلى المثانة.
في حالة القذف المرتجع، لا تنقبض هذه العضلة بشكل سليم، مما يسمح للمني بالدخول إلى المثانة.
ما هي أسباب القذف المرتجع ؟
هناك أسباب متعددة يمكن أن تؤدي إلى حدوث القذف المرتجع، ويمكن تقسيمها إلى:
الأسباب العصبية
- إصابة الحبل الشوكي.
- مضاعفات عمليات العمود الفقري.
- مرض السكري: من أشهر الأسباب، حيث يؤثر على الأعصاب التي تتحكم في عضلة المثانة.
- التصلب المتعدد (Multiple Sclerosis).
الأسباب الجراحية
- استئصال البروستاتا الجزئي أو الكامل (خاصة في حالات تضخم البروستاتا الحميد أو السرطان).
- جراحات المثانة أو عنق المثانة.
- جراحة الفتاق الإربي إذا أُصيبت الأعصاب المحيطة.
الأدوية
- أدوية ارتفاع ضغط الدم (مثل: alpha blockers).
- أدوية تضخم البروستاتا (مثل: تامسولوسين).
- بعض مضادات الاكتئاب (مثل: مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية SSRIs).
- أدوية الذهان.
أسباب أخرى
- التقدم في السن.
- بعض الحالات الخلقية النادرة التي تؤثر على العضلة العاصرة الداخلية.
الأعراض والعلامات
العلامة الأبرز هي غياب السائل المنوي أو خروجه بكمية ضئيلة جدًا أثناء القذف، مع الإحساس بالنشوة الجنسية كالمعتاد.
الأعراض المرافقة قد تشمل:
- جفاف في القذف (Dry orgasm).
- تغير لون البول بعد الجماع (يصبح غائمًا نتيجة وجود المني).
- صعوبة في تحقيق الحمل رغم العلاقة الجنسية المنتظمة.
- اضطراب في الرغبة الجنسية أو قلق نفسي لدى الرجل.
كيف يتم التشخيص؟
يتم التشخيص عادةً بناءً على التاريخ المرضي والفحص السريري، لكن قد يحتاج الطبيب إلى إجراء بعض الفحوصات، منها:
1. تحليل البول بعد القذف:
- يُطلب من المريض التبول مباشرة بعد العلاقة الجنسية.
- يتم فحص البول تحت المجهر للبحث عن الحيوانات المنوية.
- وجود عدد كبير من الحيوانات المنوية في البول يؤكد التشخيص.
2. فحوصات إضافية حسب السبب المحتمل:
- اختبار وظائف الأعصاب إذا كان السبب عصبيًا.
- تحليل سائل منوي طبيعي إن وُجد قذف جزئي.
- أشعة أو سونار إذا اشتُبه في سبب جراحي أو تشريحي.
ما هي مضاعفات القذف المرتجع؟
رغم أن القذف المرتجع لا يسبب ألمًا أو ضررًا جسديًا مباشرًا، إلا أن له عدة مضاعفات مهمة:
1. العقم أو تأخر الإنجاب:
يعد السبب الرئيسي الذي يدفع الرجال لطلب المساعدة الطبية.
2. أثر نفسي وعاطفي:
- الإحباط من العلاقة الزوجية.
- الإحساس بالرجولة المنقوصة.
- القلق والاكتئاب.
3. تغير في علاقة الزوجين:
قد يؤثر سلبًا على التفاهم والحميمية في العلاقة.
ما هي خيارات العلاج؟
غالبًا لا تستدعي حالات القذف المرتجع إلى علاج؛ نظرًا لأنها لا تمثل ضررًا على صحة الشخص ولا تمنعه من الاستمتاع بحياته الجنسية، ولكن قد يستدعي الأمر الخضوع إلى العلاج عند الرغبة في الإنجاب.
يعتمد علاج القذف المرتجع على معالجة السبب إن أمكن، فعلى سبيل المثال قد يؤدي إيقاف استعمال دواء معين يتسبب في حدوث القذف الرجعي إلى عودة القذف الطبيعي، بينما يصعب علاج الحالات التي تعاني من وجود تلف كبير في الأعصاب أو العضلات.
إليك أهم الطرق المتاحة:
العلاج الدوائي
يهدف إلى تحسين وظيفة العضلة العاصرة الداخلية، ومن أبرز الأدوية:
- الإيميبرامين (Imipramine):
مضاد اكتئاب ثلاثي الحلقات يساعد على انقباض عنق المثانة. - السودوإيفيدرين (Pseudoephedrine):
مزيل احتقان ينتمي لعائلة الأدوية المنبهة للجهاز العصبي الودي. - البرومفينيرامين (Brompheniramine):
مضاد هيستامين له تأثير جانبي مفيد في بعض الحالات.
> ملاحظة: لا تنجح هذه الأدوية في كل الحالات، ونسبة الاستجابة تتفاوت من شخص لآخر.
العلاج الجراحي
- نادرًا ما يُتم اللجوء له.
- قد يشمل إصلاح العضلة العاصرة أو استخدام طرق بديلة لتسهيل القذف الخارجي.
- يُلجأ إليه فقط إذا كان السبب تشريحيًا وتم استنفاد الطرق الأخرى.
تقنيات المساعدة على الإنجاب
في حال كان العقم هو المشكلة الرئيسية، قد يتم:
- جمع الحيوانات المنوية من البول بعد القذف (ثم استخدامها في التلقيح الصناعي).
- استخلاص الحيوانات المنوية من الخصية مباشرة في حالات أخرى.
نصائح عامة وإدارة الحالة
- السيطرة على الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط.
- مراجعة الأدوية التي قد تسبب الحالة مع الطبيب المختص.
- التمسك بالعلاج لفترة كافية لأن النتائج قد تحتاج لعدة أسابيع.
- التوجيه النفسي والدعم العاطفي للزوجين أمر مهم لتقليل الأثر النفسي.
ماهو الفرق بين القذف المرتجع والقذف الجاف
يخلط البعض بين الحالتين، لكن هناك فرق:
- القذف المرتجع يحدث عندما يُقذف السائل المنوي إلى داخل المثانة البولية بدلاً من خروجه عبر القضيب، ويكون السبب غالباً في ضعف أو فشل انقباض العضلة العاصرة الداخلية لعنق المثانة.
- أما القذف الجاف، فهو حالة لا يتم فيها إنتاج أو خروج أي سائل منوي أساساً، وغالباً ما يكون ناتجًا عن استئصال البروستاتا بالكامل أو تلف في الغدد المنتجة للمني، أو بسبب نقص شديد في الهرمونات الذكرية.
- في القذف المرتجع، يكون هناك إحساس بالنشوة الجنسية، لكن مع غياب المني أو خروجه بكميات قليلة جدًا، ويُلاحظ تغيّر لون البول بعد الجماع بسبب وجود المني فيه.
- بينما في القذف الجاف، قد لا يكون هناك أي قذف مرئي أو حتى تغير في البول، وغالبًا ما يكون المني معدومًا تمامًا سواء في الخارج أو داخل المثانة.
- تحليل البول بعد الجماع هو المفتاح للتفريق بين الحالتين: ففي القذف المرتجع، يُظهر التحليل وجود حيوانات منوية داخل البول، أما في القذف الجاف فلا تظهر أي حيوانات منوية.
- يمكن علاج القذف المرتجع في بعض الحالات بالأدوية، أما القذف الجاف فعلاجه أصعب وغالبًا ما يعتمد على طرق المساعدة على الإنجاب.
الخلاصة
القذف المرتجع حالة مرضية قد تمر بصمت، لكنها تؤثر بوضوح على الخصوبة والصحة النفسية للرجل. تتعدد أسبابها بين العصبية، الجراحية، والدوائية، ويعتمد نجاح العلاج على تحديد السبب بدقة والتعاون بين المريض والطبيب.
رغم كونها غير مؤذية من الناحية الجسدية، فإن تجاهلها قد يؤدي إلى مشاكل زوجية وعاطفية، لذا فإن التشخيص المبكر والتدخل المناسب يمثلان مفتاح العلاج.