الانتصاب أثناء النوم
الانتصاب أثناء النوم هو ظاهرة فسيولوجية طبيعية تحدث لدى الذكور منذ مرحلة الطفولة المبكرة وحتى الشيخوخة. يُعرف طبيًا باسم الانتصاب الليلي اللا إرادي ( Nocturnal Penile Tumescence (NPT)). يعتبر هذا النوع من الانتصاب علامة على سلامة الجهاز العصبي والدورة الدموية والهرمونية المتعلقة بالأداء الجنسي. في هذا المقال، سنستعرض بتفصيل عميق الأسباب الفسيولوجية لظاهرة الانتصاب أثناء النوم، أهميتها في التقييم الطبي لحالات الضعف الجنسي، العوامل التي تؤثر علي الانتصاب أثناء النوم، وكذلك الحالات التي قد تتسبب في غيابها أو اضطرابها.
ما هو الانتصاب أثناء النوم؟
الانتصاب أثناء النوم هو حالة يحدث فيها امتلاء القضيب بالدم وتصلبه خلال مرحلة معينة من النوم تُعرف باسم مرحلة حركة العين السريعة (REM). عادة ما يمر الإنسان خلال النوم بعدة دورات نوم تتكرر كل 90 دقيقة تقريبًا، ويحدث الانتصاب غالبًا خلال كل دورة من دورات نوم REM، بمعدل 3 إلى 5 مرات خلال الليل، وقد يستمر كل انتصاب لمدة 10 إلى 30 دقيقة.
هذه الانتصابات لا ترتبط عادة بالأحلام الجنسية أو الإثارة الذهنية، بل تحدث بشكل لا إرادي كجزء من النشاط العصبي الطبيعي.
كيف يحدث الانتصاب أثناء النوم؟
لحدوث الانتصاب، يجب أن يكون هناك تناغم بين الجهاز العصبي، الجهاز الدوري، والهرمونات الجنسية. في حالة الانتصاب الليلي، يلعب الجهاز العصبي الذاتي – وخاصة الفرع اللاودي (parasympathetic) – دورًا رئيسيًا.
المراحل الفسيولوجية:
- دورة النوم: عند دخول مرحلة REM، يحدث تنشيط لمراكز معينة في الدماغ مسؤولة عن التحكم في الأعضاء التناسلية.
- تنشيط الأعصاب: الأعصاب الحوضية ترسل إشارات إلى الأوعية الدموية في القضيب مما يؤدي إلى ارتخاء العضلات الملساء وتمدد الأوعية الدموية.
- زيادة تدفق الدم: يتدفق الدم إلى الأجسام الكهفية للقضيب، مما يؤدي إلى الانتصاب.
- إغلاق الأوردة: تُغلق الأوردة التي تخرج الدم من القضيب، مما يحافظ على الانتصاب لفترة محددة.
أهمية الانتصاب أثناء النوم
يكتسب الانتصاب الليلي أهمية بالغة في الطب الجنسي، لعدة أسباب:
تشخيص حالات ضعف الانتصاب:
- عند معاناة المريض من ضعف الانتصاب أثناء العلاقة الجنسية، قد يكون السبب نفسيًا أو عضويًا. قياس وجود أو غياب الانتصاب الليلي يمكن أن يساعد الطبيب في تحديد السبب.
- إذا كان الانتصاب الليلي موجودًا: فهذا يدل عادة على سلامة البنية العضوية (الأعصاب، الأوعية، العضلات)، وغالبًا ما يشير إلى وجود سبب نفسي.
- إذا كان غائبًا أو ضعيفًا: فقد يكون السبب عضويًا، مثل مشكلات في الأعصاب، الأوعية الدموية، أو مستويات الهرمونات.
مؤشر على الصحة العامة:
- الانتصاب الليلي يعتبر انعكاسًا غير مباشر لصحة الجهاز القلبي الوعائي.
- ضعف الانتصاب قد يكون علامة مبكرة لأمراض مثل تصلب الشرايين أو السكري أو ارتفاع ضغط الدم.
كيف يتم قياس الانتصاب أثناء النوم؟
يوجد طرق طبية لتقييم هذه الظاهرة في المختبرات أو المنزل:
1. جهاز قياس الانتصاب الليلي (Nocturnal Penile Tumescence Device):
عبارة عن حلقة أو جهاز حساس يوضع حول القضيب خلال النوم، ويسجل عدد مرات الانتصاب، مدته، ودرجة التصلب.
2. اختبار الطوابع البريدية (Stamp Test):
طريقة بدائية لكنها فعالة، حيث توضع سلسلة من الطوابع حول قاعدة القضيب قبل النوم. إذا تمزقت أثناء النوم، فإن ذلك يشير إلى حدوث انتصاب.
3. الانتصاب الصباحي: علاقة وثيقة بالانتصاب الليلي:
كثير من الذكور يلاحظون وجود انتصاب عند الاستيقاظ صباحًا، وهو امتداد لانتصاب حدث خلال آخر دورة REM قبل الاستيقاظ. هذا يُعرف بـ “الانتصاب الصباحي” ويُعد دلالة على صحة جنسية جيدة.
ما العوامل التي تؤثر على الانتصاب أثناء النوم؟
رغم أن الانتصاب الليلي يُعد عملية لا إرادية، إلا أن هناك عددًا من العوامل التي تؤثر عليه:
- العمر:
– في مرحلة الطفولة والمراهقة، تكون الانتصابات الليلية أكثر تكرارًا وقوة.
– مع التقدم في السن، تقل وتيرة الانتصاب ومدته، لكنها لا تختفي عادة إلا بوجود مشكلات صحية. - الهرمونات:
– انخفاض مستوى التستوستيرون الطبيعي يؤدي إلى قلة الانتصاب الليلي.
– اضطرابات الغدد الصماء مثل قصور الغدة الدرقية أو فرط البرولاكتين تؤثر سلبًا أيضًا. - الأدوية:
– بعض مضادات الاكتئاب (مثل SSRIs) وأدوية ضغط الدم تؤدي إلى تقليل حدوث الانتصاب الليلي. - الأمراض المزمنة:
– السكري، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب قد تؤثر على تدفق الدم وبالتالي على الانتصاب الليلي.
– أمراض الأعصاب مثل التصلب المتعدد (Multiple sclerosis) أو إصابات الحبل الشوكي. - التوتر والقلق:
– رغم أن الانتصاب الليلي غير مرتبط بالتحفيز الجنسي الواعي، فإن التوتر المزمن أو اضطرابات النوم قد تؤثر على دورة النوم ومرحلة REM، وبالتالي تقلل من حدوثه.
متى يُعد غياب الانتصاب الليلي مؤشرًا للقلق؟
غياب الانتصاب الليلي لفترة قصيرة قد يكون طبيعيًا، خاصة مع اضطراب النوم أو التوتر، لكن إذا استمر الأمر، فيجب مراجعة الطبيب.
الفحوصات اللازمة قد تشمل:
- تحليل هرمونات (التستوستيرون، البرولاكتين، LH، FSH).
- قياس السكر التراكمي وضغط الدم.
- تقييم عصبي أو تصوير بالأشعة للأوعية الدموية.
أساطير ومفاهيم خاطئة
“الانتصاب الليلي علامة على الرغبة الجنسية فقط”:
خطأ. الانتصاب الليلي لا يتطلب تحفيزًا جنسيًا أو حتى أحلامًا جنسية. هو عملية عصبية وفسيولوجية بحتة.
“الانتصاب الصباحي دليل على ممارسة العادة السرية”:
غير صحيح. الانتصاب الصباحي يحدث بسبب التغيرات الهرمونية ودورة النوم.
“الانتصاب الليلي عند الأطفال مؤشراً على أفكالر جنسية”:
الذكور من جميع الأعمار، بمن فيهم الرضع، يعانون من الانتصاب الليلي، ويُعد هذا أمرًا طبيعيًا يدل على تطور سليم للجهاز العصبي والجنسي. لا يُعتبر الانتصاب الليلي عند الأطفال مؤشرًا على أفكار جنسية، بل جزء من النمو الفسيولوجي.
الخلاصة
الانتصاب أثناء النوم هو ظاهرة طبيعية تبدأ من الطفولة وتستمر طوال الحياة، وتلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على صحة الأنسجة التناسلية. بالإضافة إلى ذلك، فهو أداة تشخيصية هامة في تقييم الضعف الجنسي. وجوده يُعد علامة على سلامة الجهاز العصبي والدورة الدموية والهرمونية، في حين أن غيابه قد يشير إلى مشكلات طبية تستدعي الفحص والعلاج.
فهم هذه الظاهرة يمكن أن يساعد ليس فقط المرضى، بل حتى الأطباء في تقييم وعلاج الحالات الجنسية بطريقة علمية دقيقة خالية من المفاهيم المغلوطة أو الخجل الاجتماعي.