تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة
تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة يشغل بال بعض النساء، حيث تمر المرأة خلال فترة الحمل والولادة والنفاس بتغيرات جسدية ونفسية هائلة، من أهمها التغيرات الهرمونية التي تؤثر بشكل مباشر على الدورة الشهرية. بعد الولادة، تتساءل العديد من النساء عن موعد عودة الدورة الشهرية، خصوصًا إن كنّ لا يُرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية. وفي الحالات التي يحدث فيها تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة، تبدأ الشكوك والمخاوف بالظهور. فهل من الطبيعي تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة؟ ما أسبابه؟ ومتى يجب القلق؟
في هذه المقالة، نناقش أسباب تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة، ونستعرض العوامل الفسيولوجية والمرضية التي قد تكون خلف هذا التأخير، بالإضافة إلى طرق التشخيص وخيارات العلاج المتاحة.
ما هي الفترة الطبيعية لعودة الدورة بعد النفاس؟
بعد الولادة، تمر المرأة بما يُعرف بـ النفاس (Postpartum)، وهي فترة تمتد عادة من 6 إلى 8 أسابيع يحدث خلالها تنظيف الرحم من بقايا الحمل والولادة. بعد انتهاء هذه الفترة، من المتوقع أن تبدأ التغيرات الهرمونية في العودة إلى طبيعتها تدريجيًا.
عند النساء اللواتي لا يُرضعن أطفالهن رضاعة طبيعية (أي يعتمدن على الحليب الصناعي)، تعود الدورة الشهرية غالبًا في غضون 6 إلى 12 أسبوعًا بعد الولادة، أي ما يعادل شهرين إلى ثلاثة أشهر. السبب في هذه العودة السريعة هو غياب هرمون البرولاكتين (Prolactin) المرتفع في حالة الرضاعة، والذي يثبط عملية الإباضة.
لذلك، إذا لم تعد الدورة الشهرية بعد مرور 3 إلى 6 أشهر من الولادة دون رضاعة، فقد يكون هناك سبب آخر يستدعي التقييم الطبي.
أسباب تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة
يوجد العديد من الأسباب التي تؤدي إلى تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة، كالتالي:
الاختلالات الهرمونية بعد الحمل
رغم توقف الرضاعة أو عدم بدئها أساسًا، إلا أن الجسم قد يحتاج وقتًا أطول لإعادة التوازن الهرموني الكامل بعد الحمل والولادة. من الطبيعي أن تتأخر الدورة لبضعة أشهر حتى تنتظم مستويات الهرمونات مثل:
- الاستروجين والبروجسترون: يفرزان من المبيض وتعود مستوياتهما تدريجيًا.
- الهرمون المحفز للجريب (FSH) والهرمون اللوتيني (LH): يتحكمان بالإباضة وقد تتأخر استجابتهما.
بعض النساء يعانين من تباطؤ في هذه العودة، ما يؤدي إلى تأخر الإباضة وبالتالي تأخر الدورة الشهرية.
متلازمة تكيس المبايض (PCOS)
تكيس المبايض هو اضطراب شائع يترافق مع اختلال التوازن الهرموني ويؤثر على التبويض. قد تكون السيدة مصابة بهذه المتلازمة قبل الحمل، لكن الحمل قد يُخفي الأعراض مؤقتًا، لتظهر مجددًا بعد الولادة.
أعراضها تشمل:
- تأخر الدورة أو غيابها تمامًا.
- زيادة الوزن.
- نمو شعر زائد في مناطق غير معتادة.
- حب الشباب.
متلازمة تكيس المبايض قد تؤدي إلى تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة.
فرط إفراز البرولاكتين (Hyperprolactinemia)
في بعض الحالات، قد تستمر مستويات البرولاكتين مرتفعة في الجسم حتى بعد التوقف عن الرضاعة الطبيعية، أو حتى في غيابها تمامًا. هذا الارتفاع يثبط الإباضة ويؤدي إلى غياب الدورة الشهرية.
فرط البرولاكتين قد ينتج عن:
- اضطراب في الغدة النخامية.
- أدوية معينة.
- التوتر أو اضطراب النوم.
أسباب أخرى لتأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة
- التوتر والضغط النفسي
التغيرات العاطفية والنفسية بعد الولادة، خصوصًا إذا ترافق الأمر مع اكتئاب ما بعد الولادة، يمكن أن تؤثر على المحور الهرموني (Hypothalamic-Pituitary-Ovarian Axis)، ما يؤدي إلى غياب أو اضطراب الدورة. - زيادة أو نقص الوزن بشكل ملحوظ
زيادة الوزن بعد الحمل أو فقدان الوزن المفرط يمكن أن يؤثرا على انتظام الدورة الشهرية، خاصة إذا كانت نسبة الدهون في الجسم خارجة عن النطاق الطبيعي اللازم لإنتاج الهرمونات الجنسية. - مشاكل في الغدة الدرقية
فرط أو قصور نشاط الغدة الدرقية قد يؤدي إلى خلل في الدورة الشهرية، ويُعد من الأسباب الشائعة التي يجب فحصها عند غياب الدورة بعد الولادة. - الرضاعة غير المنتظمة أو الجزئية
بعض النساء يُرضعن أطفالهن بشكل جزئي (مثلاً رضاعة ليلية فقط)، ما قد يبقي مستويات البرولاكتين مرتفعة جزئيًا ويؤخر عودة الدورة.
كيف يتم تقييم تأخر الدورة بعد النفاس؟
عند تأخر الدورة أكثر من 3-6 أشهر بعد الولادة دون وجود رضاعة طبيعية، ينصح بمراجعة الطبيب لإجراء تقييم يتضمن:
الفحص السريري:
يتضمن تقييم العلامات الحيوية، الوزن، وفحص الثدي والرحم.
تحاليل مخبرية تشمل:
- فحص الحمل: لاستبعاد حمل جديد، خصوصًا إذا حصلت علاقة جنسية غير محمية.
- مستوى البرولاكتين.
- هرمونات الغدة الدرقية (TSH، T4).
- هرمونات ال FSH و LH.
- هرمونات الجنس (استروجين، بروجسترون، التستوستيرون).
التصوير بالموجات فوق الصوتية (السونار):
لتقييم بطانة الرحم، المبايض، واستبعاد وجود تكيسات أو أورام.
هل تأخر الدورة بعد النفاس بدون رضاعة يشير إلى العقم؟
ليس بالضرورة أن يؤدي ذلك إلى العقم، حيث أنه معظم أسباب تأخر الدورة بعد النفاس تكون قابلة للعلاج أو مؤقتة. ومعالجة السبب الكامن يعيد الخصوبة تدريجيًا. حتى في حالات مثل تكيس المبايض أو اضطراب الغدة الدرقية، فإن العلاج الهرموني أو تنظيم الإباضة يمكن أن يعيد الدورة والخصوبة.
متى يجب القلق ومراجعة الطبيب؟
ينصح بمراجعة الطبيب في الحالات التالية:
- غياب الدورة لأكثر من 3 أشهر بعد الولادة دون رضاعة.
- ظهور أعراض غير طبيعية مثل إفرازات الحليب من الثدي في غياب الرضاعة.
- زيادة أو نقص مفرط في الوزن.
- أعراض قصور أو فرط الغدة الدرقية.
- نمو شعر غير معتاد أو ظهور حب الشباب الشديد.
طرق العلاج الممكنة
يعتمد العلاج على السبب، كالتالي:
- فرط البرولاكتين: يُعالج بدواء مثل البروموكربتين أو الكابيرجولين.
- قصور الغدة الدرقية: يُعالج بهرمون الثيروكسين.
- تكيس المبايض: قد يشمل تغييرات في نمط الحياة، أدوية لتحفيز الإباضة مثل الكلوميفين.
- الاختلال الهرموني المؤقت: قد لا يحتاج إلى علاج ويُراقب فقط.
- حبوب تنظيم الدورة: في بعض الحالات تُستخدم لتنظيم الدورة بشكل مؤقت.
الخاتمة
تأخر الدورة الشهرية بعد النفاس بدون رضاعة ليس دائمًا مدعاة للقلق، لكنه يتطلب الانتباه والمراقبة، خاصة إذا تجاوزت الفترة 3 إلى 6 أشهر. في الغالب يكون السبب هرمونيًا ومؤقتًا، ولكن في بعض الحالات قد يشير إلى اضطرابات تستدعي علاجًا متخصصًا. الفحص المبكر والتحاليل المناسبة تضمن اكتشاف السبب وعلاجه بفعالية، مما يحافظ على صحة المرأة العامة وخصوبتها المستقبلية.