أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية
أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية كثيرة ومتنوعة. حيث تُعد الغدة الدرقية من الغدد الصماء الأساسية في الجسم، وتقع في مقدمة العنق على شكل فراشة. وتكمن أهميتها في إنتاج هرمونات تلعب دورًا محوريًا في تنظيم عمليات الأيض، ونشاط القلب، وتوازن الطاقة، ووظائف الدماغ، بل وتمتد تأثيراتها لتشمل الصحة النفسية والمزاجية للفرد.
عندما تصاب الغدة الدرقية بفرط النشاط (Hyperthyroidism)، تبدأ بإفراز كميات زائدة من هرمونات “الثيروكسين (T4)” و”الثلاثي يودوثيرونين (T3)”، ما يؤدي إلى تسريع الوظائف الحيوية للجسم، مسببًا أعراضًا عضوية ونفسية متنوعة، بعضها قد يكون شديدًا إلى درجة التشخيص الخاطئ باضطرابات نفسية مثل القلق أو حتى الهوس. في هذا المقال، نسلّط الضوء على أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية بالتفصيل، ونشرح أسبابها وتأثيراتها، وطرق تشخيصها وعلاجها.
ما هو فرط نشاط الغدة الدرقية؟
قبل الحديث عن أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية، سنتعرف أولاً على أسباب نشاط الغدة الدرقية. فرط نشاط الغدة الدرقية هو حالة تُنتج فيها الغدة كميات مفرطة من الهرمونات، ما يؤدي إلى تسارع عمليات الأيض في الجسم، وظهور أعراض جسدية ونفسية. وتشمل الأسباب الشائعة:
- مرض غريفز (Graves’ disease): أكثر الأسباب شيوعًا، وهو مرض مناعي ذاتي.
- الورم الحميد الدرقي: كتلة داخل الغدة تفرز هرمونات بشكل مستقل.
- الالتهاب الدرقي (Thyroiditis): التهاب مؤقت قد يؤدي لفرط مؤقت في إفراز الهرمونات.
- الجرعات الزائدة من الهرمون الدرقي الصناعي (ليفوثيروكسين).
ما هي العلاقة بين الغدة الدرقية والصحة النفسية؟
لمعرفة أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية، يجب فهم العلاقة بين الغدة الدرقية وبين الحالة النفسية.
تُعد هرمونات الغدة الدرقية (T3 و T4) من العوامل الأساسية في نمو الدماغ ووظائفه العصبية. تؤثر هذه الهرمونات على:
- استقلاب النواقل العصبية مثل السيروتونين، والدوبامين، والنورإيبينفرين.
- تنظيم المزاج والذاكرة والانتباه.
- التفاعل مع مراكز القلق والتوتر في الدماغ، خاصة في الجهاز الحوفي (Limbic System).
لذلك، أي خلل في مستوى هذه الهرمونات يؤدي إلى اضطرابات نفسية واضحة، قد تُفهم خطأ على أنها حالات نفسية أولية.
ما هي أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية؟
تتنوع أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية كالتالي:
1. القلق والتوتر المفرط
يُعتبر القلق من أكثر أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية. يشعر المريض بتوتر مستمر، ويعاني من صعوبة في الاسترخاء، وقد يصف الإحساس كما لو كان “على أعصابه” طوال الوقت. يظهر القلق عادة في شكل:
- فرط التفكير.
- قلق مستمر دون مبرر واضح.
- نوبات هلع.
- عدم القدرة على السيطرة على المخاوف.
2. الأرق واضطرابات النوم
فرط الهرمونات الدرقية يزيد من تنبيه الجهاز العصبي المركزي، ما يجعل الدخول في النوم صعبًا، وقد يعاني المريض من:
- صعوبة في البدء بالنوم.
- نوم متقطع.
- أحلام مزعجة.
- الاستيقاظ المبكر وعدم الإحساس بالراحة.
3. التهيج والعصبية
يفقد المريض السيطرة على انفعالاته بسهولة، وقد يتحول من الهدوء إلى الغضب فجأة. ويلاحظ:
- سرعة الانفعال.
- العصبية الزائدة حتى من أمور بسيطة.
- الحساسية النفسية المفرطة تجاه النقد أو الضغوط.
4. نقص التركيز وتشتت الانتباه
يتأثر التركيز بشكل كبير، ويجد المريض صعوبة في متابعة المهام اليومية أو المحادثات، وقد يوصف ذلك بـ”ضباب الدماغ”. تشمل هذه الأعراض:
- تشتت ذهني واضح.
- نسيان سريع للمعلومات.
- صعوبة في اتخاذ القرار.
5. تسارع الأفكار (Racing thoughts)
وهي ظاهرة شبيهة بما يحدث في اضطراب الهوس، حيث يشعر المريض أن عقله يعمل بسرعة زائدة، والأفكار تتزاحم بلا توقف. قد يرافقها:
- كلام سريع وغير مترابط.
- صعوبة في كبح الأفكار.
- الميل لمقاطعة الآخرين أو القفز بين المواضيع.
6. نوبات الهلع (Panic Attacks)
في بعض الحالات، يصاب المريض بنوبات متكررة من الهلع، تشمل:
- خفقان شديد.
- ضيق تنفس.
- إحساس بالموت الوشيك.
- تعرّق شديد وارتجاف.
7. الاكتئاب
ورغم أن الاكتئاب يُرى عادة مع قصور الغدة الدرقية، فإنه قد يظهر أيضًا في حالات فرط النشاط، خصوصًا مع تطوّر المرض أو كاستجابة لتدهور جودة الحياة. يشمل ذلك:
- فقدان الشغف بالحياة.
- انخفاض الطاقة.
- الشعور بالذنب أو انعدام القيمة.
ما هو الفرق بين أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية والاضطرابات النفسية المستقلة؟
كثيرًا ما يُشخّص مرضى فرط نشاط الغدة خطأً بأنهم مصابون باضطرابات نفسية بحتة مثل القلق العام أو اضطراب ثنائي القطب، خاصة عند عدم وجود أعراض جسدية واضحة في البداية. ولكن هناك علامات قد تُساعد في التفريق:
- بداية الأعراض: غالبًا ما تبدأ الأعراض النفسية الناتجة عن فرط نشاط الغدة بشكل مفاجئ نسبيًا، على عكس الاضطرابات النفسية التي تتطور تدريجيًا أو بعد التعرض لصدمات نفسية.
- وجود أعراض جسدية مرافقة: في حالات فرط نشاط الغدة تظهر أعراض جسدية مصاحبة مثل خفقان القلب، التعرق الزائد، الرعشة، ونقص الوزن غير المبرر. بينما في الاضطرابات النفسية الأخرى تكون الأعراض الجسدية أقل وضوحًا أو غير موجودة.
- الاستجابة للعلاج النفسي: الأعراض النفسية الناتجة عن اضطراب الغدة الدرقية لا تستجيب عادة بشكل جيد للأدوية النفسية ما لم يُعالج السبب الهرموني، بينما تتحسن الاضطرابات النفسية المستقلة عند استخدام العلاج الدوائي أو السلوكي المناسب.
- تحسن الأعراض بعد ضبط وظائف الغدة: في حالات فرط نشاط الغدة، تتحسن الأعراض النفسية بشكل واضح وسريع عند بدء العلاج المناسب للغدة، أما الاضطرابات النفسية الأساسية فتتطلب علاجًا نفسيًا موجهًا وقد لا تتحسن بمجرد تعديل الهرمونات.
كيف يمكن تشخيص أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية؟
إذا ظهرت الأعراض النفسية المذكورة سابقًا دون تاريخ سابق لاضطرابات نفسية، أو كانت مقاومة للعلاج النفسي، يجب على الطبيب التفكير في إجراء فحوصات الغدة الدرقية، وأهمها:
- TSH (الهرمون المنشط للغدة الدرقية): منخفض في حالات فرط النشاط.
- T3 و T4 الحر (Free T3 و Free T4): مرتفعان.
- الأجسام المضادة (Anti-TSH receptor): مرتفعة في مرض غريفز.
ما هو علاج أعراض نشاط الغدة الدرقية النفسية؟
يشمل علاج فرط نشاط الغدة الدرقية:
1. العلاج الدوائي
- مضادات الدرقية (مثل: كاربيمازول): تقلل من إنتاج الهرمونات.
- حاصرات بيتا (مثل: إنديرال): تخفف الأعراض الجسدية والنفسية كسرعة القلب والقلق.
2. العلاج الإشعاعي
يستخدم اليود المشع لتقليل نشاط الغدة نهائيًا، لكنه قد يؤدي لاحقًا إلى قصور دائم.
3. الجراحة
في حالات محددة يُستأصل جزء من الغدة أو كلها.
4. العلاج النفسي المرافق
في حالات الأعراض النفسية الشديدة، قد يُستعان بمضادات القلق أو مضادات الاكتئاب بشكل مؤقت، بالتوازي مع ضبط الهرمونات.
متى يجب زيارة الطبيب النفسي والغدد معًا؟
- إذا ظهرت أعراض نفسية مفاجئة مع أعراض جسدية مرافقة.
- إذا كان الشخص يعاني من اضطرابات نفسية لأول مرة في منتصف العمر.
- إذا لم تستجب الأعراض للعلاج النفسي أو ساءت بعد بدءه.
- إذا كانت هناك قصة عائلية لأمراض الغدة.
الخلاصة
إن الأعراض النفسية لفرط نشاط الغدة الدرقية قد تكون مربكة ومخيفة، وقد تسيء إلى جودة الحياة والعلاقات والعمل. ولأنها تتقاطع مع أعراض اضطرابات نفسية شائعة، فإن التشخيص الدقيق يتطلب وعيًا طبياً شاملاً وتحاليل مخبرية دقيقة. بمجرد تحديد السبب الحقيقي وراء هذه الأعراض، يمكن توجيه العلاج بشكل فعال، وغالبًا ما تتحسن الحالة النفسية بشكل كبير مع ضبط هرمونات الغدة.
إذا كنت تشعر بقلق زائد، أو نوم مضطرب، أو أفكار متسارعة دون سبب واضح، لا تتردد في إجراء فحص الغدة الدرقية. فالصحة النفسية والجسدية وجهان لعملة واحدة، وأحيانًا يكفي تعديل بسيط في الهرمونات لاستعادة التوازن الداخلي.